جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
مسئولية الآباء تجاه الأبناء
2766 مشاهدة
حماية الأبناء من أسباب الفساد


معلوم أن الفتن في هذه الدنيا كثيرة وهي التي تصرف الأولاد عن الخير وتوقعهم في الشر، والوالد هو المسئول عن تربيتهم، وكذلك عن إبعادهم عن الفتن.
فنقول: على الوالدين مسئولية في حماية الأولاد عن الفساد، وعن أسبابه؛ وذلك لأن هناك دوافع إلى الفساد، إذا لم يعصم الله تعالى الأولاد، ولم يحرص الآباء على حمايتهم وقعوا في تلك الفتن، وتمكنت منهم وصعب بعد ذلك تخليصهم.
فكثير من الآباء هداهم الله يجلبون لأولادهم ما يفسدهم فإن الوالد الذي يأتي بأجهزة استقبال الفضائيات -القنوات الفضائية- يدخلها على أولاده يصدهم بذلك عن الخير، حيث إنهم تراهم قد عكفوا على هذه الملاهي، على هذه الأفلام ولو ادعى أنها تسلية وأنها ترفيه.
إذا تربى الأولاد مثلا على النظر في هذه الأفلام كما تسمى أفلام كارتون أو نحوها فإنه يتعلق قلبه بها، ويصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ويكون هذا من جملة اللهو واللعب قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فالذي يأتي لأولاده بهذه الأفلام يصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة.
وبطريق الأولى الذي يأتي بهذه الدشوش التي تشتمل، أو تبث الصور الفاتنة والعارية التي تدعو إلى الشر، وتوقع من ركن إليها في النظر إليها، توقعه في فعل الجرائم، في فعل الفواحش من الزنا ومقدماته، ولو كانوا مراهقين أو قد قاربوا البلوغ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحمايتهم عن ذلك، فإذا بلغوا عشر سنين يقول: فرقوا بينهم في المضاجع أي لا ينام اثنان متلاصقين في فراش، ذكرين مثلا أو ذكرا وأنثى، فإن ذلك ..... أو مما قد يزين لهم أن يفعل بعضهم ببعض، فلذلك فرقوا بينهم في المضاجع.
وإذا كان هذا منه تعليما بالفعل، فنقول كذلك: أبعدوا عنهم هذه الدوافع التي تدفعهم إلى فعل هذه الفواحش، أنقذوهم من النظر إلى هذه الصور العارية، إلى هؤلاء الذين يلتصق بعضهم ببعض أمامهم في هذه الشاشات، ما موقفهم؟
لا شك أنه إذا كان ذا شهوة وشاهد هؤلاء الذين يلتصق بعضهم ببعض، أو رجل يجامع امرأة أو نحو ذلك لا يستطيع التحمل إذا كان بالغا أو كان مثلا أعزب، فالوسيلة إلى إنقاذهم إبعادها عنهم؛ حتى يسلموا على دينهم وحتى يسلموا على شرفهم، ويبتعدوا عن هذه المحرمات.
ولا شك أنهم إذا وقعوا في هذه المحرمات في الصغر صعب بعد ذلك تربيتهم على الخير، صعب بعد ذلك فطمهم عن هذه العادات، العادات السيئة، فهذا يؤخذ من أنه عليه السلام أمر بإبعاد بعضهم عن بعض وفرقوا بينهم في المضاجع أي: احموهم وأبعدوهم عن أسباب فعل الفواحش صغيرها وكبيرها، الزنا ومقدماته، وما أشبه ذلك.
كذلك أيضا إذا غفل عن أولاده، وتركهم يسرحون ويمرحون فإنهم قد يتعرضون لمن يفسدهم، لمن يوقعهم في الشر، فهناك مثلا قد يجدون قهوات أو استراحات كما تسمى مليئة بهذه الدشوش وما أشبهها، فإذا توافد الأطفال الذين في العاشرة وفي الخامسة عشر ونحوها إلى هذه القهوات أو المجتمعات وما أشبهها فإنهم يفسدون.
فتجد الولد لا يذكر إلا أني سمعت أغنية فلان، وأعجبني صوت فلان المغني، وفلانة الراقصة وفلان الفنان أو الفنانة، فيقع في قلبه حب هذا الفن الذي هو الغناء، ويصعب عليه تركه.
ومن المعلوم أنه بعد ذلك ينفر من الصلاة، وينفر من القرآن، ولا يحب كلام الله، يقول ابن القيم
أتحـب أعــداء الحبيـب وتدعـي
حبـا لــه مـا ذاك فـي إمكـانِ
حـب القـرآن وحب ألحـان الغنـا
فـي قلـب عبـد ليـس يجتمعـانِ
إذا أحب الغناء والطرب والألحان والفن، وشغف بسماع هؤلاء الفنانين في حالة صغره فإنه ينفر من المساجد، وينفر من حلقات تحفيظ القرآن وتعليمه؛ وذلك لأنه امتلأ قلبه بضد ذلك.
ولو حاول أبواه بعدما أهملاه، إذا بقي مثلا سنة أو سنوات وهو يألف تلك الأغاني سواء في بيته، أو في القهوات، أو في الاستراحات أو ما أشبهها، ولا يسمع إلا ما يلهيه، ولا يسمع إلا الأغاني، وما أشبهها ماذا تكون حالته؟
لا شك أنه ينفر من المساجد وأهلها، بل ربما يسخر من الذين يقرءون القرآن، فيقول: فاتكم سماع الألحان، وفاتكم سماع الفنان فلان الذي يطرب صوته والذي كما قيل فيه:
إذا مـا تغنـى فالظبــاء تجيبـه
تراهـا كثيرا حولـه تشبـه الدبـى
يعني أنه والحال هذه إذا ألف هذا الفن صعب عليه بعد ذلك أن يتأثر بنصيحة أو يتقبل موعظة أو تخويفا، أو نحو ذلك.
إذن فمسئولية الآباء حفظ أولادهم عمن يفسدهم، عن هذه الأماكن التي تفسدهم.
كذلك أيضا معلوم أنه إذا أُهمل الولد فإنه قد يتلقاه من يدعوه إلى الشر، إذا خرج مثلا من بيت أهله ليلا أو نهارا فإنه يتلقاه فلان وفلان من زملاء، وخلطاء، ونحوهم، ثم يدعونه إلى ما يفسده، ويوقعونه في الشر الذي يتلف به عقله ودينه، فكم وقع كثير من الشباب، كم وقعوا في شرب الدخان، وفي تعاطي المسكرات، وفي أكل المخدرات، وإذا ابتلوا بذلك فكيف يتخلصون؟!
يفسدون فسادا كليا والعياذ بالله، إذا لم يلاحقه أبوه ولم يسأله، ولم يربه، فإنه إذا مثلا سهر مع فلان وفلان في أية مكان، وكان زملاؤه، وخلطاؤه من الذين وقعوا في الدخان أوقعوه فيه، كثيرا ما يقع فيه وهو في عشر سنين أو في خمس عشرة سنة؛ لأنه يرى الذين يتعاطونه، فيخيل إليه أنه لا بأس به، وأنه غذاء ودواء، وشفاء وفاكهة، فيؤثره، ربما يشتريه بأكثر مما يشتري الفواكه كبرتقال أو تفاح، أو نحو ذلك، يؤثر الدخان على هذه الفواكه ونحوها.
إذا ابتلي والعياذ بالله بشرب الدخان وهو صغير، ماذا تكون حالته؟ يفسد بمرة، بحيث إن كثيرا في كثير من المدن -قد يكون في القرى أخف- أنهم ابتلوا بشرب الدخان، وتمكن منهم، وصار أحدهم يبذل نفسه لمن يفعل فيه الفاحشة مقابل أن يعطيه ريالا يشتري به دخانا، أو نحو ذلك، فيفسد بمرة، لا شك أن هذا أثر إهمال الآباء لأول مرة، عدم تربيتهم، فيندمون أشد الندم.
وبكل حال فإن الوالدين عليهما مسئولية كبيرة، وإذا عرفنا أسباب الخطر وأسباب الفساد، فنعود ونقول: كيف الطريق السليم الذي إذا سلكه الوالد ربح أولاده، وحصل على خير، ونفعه الله بهم، ونفعوا أنفسهم؟
الواجب، أولا: مثل ما تقدم تربيتهم على حب المساجد، وعلى الصلاة وعلى احترام الصلاة؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فيأخذ بيده أبوه كل وقت من الأوقات الخمسة، ويقول: اذهب معي صلِّ إلى جانبي؛ حتى يعظم قدر الصلاة في قلبه، وبذلك ينجو من ترك الصلاة، ويعرف قدرها، وبذلك أيضا يحب المساجد ويحب أهلها، هذا من أسباب نجاتهم.
ومن الأسباب أيضا تسجيلهم في المدارس الخيرية لتحفيظ القرآن؛ وذلك لأنها سبب في محبة القرآن، والمنافسة فيه، وإذا احتاج مثلا إلى تشجيع، فإن أباه هو الذي يشجعه وهو الذي يعطيه ما يحفزه، وما يندفع به، فيقول له: يا ولدي لا تتخلف عن هذه المدرسة الخيرية، فإن التخلف فيها يؤخرك، يسبقك ولد فلان، وولد فلان، إذا سبقوك كنت مسبوقا، فلا تكن مسبوقا، وكن من السابقين الأولين؛ حتى يكون ذلك حاملا له على أن يسابق إلى حفظ ...